التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لحظة غضب


      احتمـى الاطفال بامهم ، ووقفت هي كالمتهمـة ، فكور قميصـه ورماه على وجهها. امتقعت وارتعدت وقالت في مثل صراخـه:

     - لا تصب علي نتاج فشلك ، ولا تزد ذلك على سوء المأكل والملبـس ، هل تظن سكوتي خوفا من ضياع نعمتـك؟ أنـا لا أصبـر إلا من أجـل الأولاد.
     -الأولاد؟، لا تحسبي أنهم يحمونك . حذار أن تحسبي ذلك . هددها تأديبا على الجسارة بعدما أصابه تشهيرهـا بمعيشته بجرح في كرامتـه أشعره بالخزي..و زودهـا هي بالتمرد والجرأة فردت على تهديده بسبـة زادت الطين بلـة :
     - وماذا بوسعك أن تفعـل؟ تلقـي بأولادكـ في الشارع؟ إنها من شيمتكم أبـا عن جـد.
تصاعد غضبـه بسرعـة فائقة ، وقال وهو يلبس جلبابه في صحـن الدار :
     - املئي صدورهم ضدي ، أنا أعرفك.
وتوجه نحو الباب مضطربا ، ثم توقف واستدار ، وقال لها :
     -ستصلك أخبـاري.
ومضـى فهبـت في أثره ، وقالت وقد أصبح في نهايـة الدرب :
     - ابذل قصارى الجهد ولا تقصـر ، إياك أن تقصـر.
سار مهرولا وصدره يعتمل بالغضب ، ووصـل إلى مكتب العدول وهو لا يدري كيف وصـل ، وكأنـه يتصرف في حالة غيبوبـة.
المكتب دكان صغير كان من الصفيح أصلا ، وبنتـه الحكومـة مع الحي في نطاق التصميم الخمـاسي. تحتله تماما طاولتان عتيقتان ومصطبـة عليهـا حصير، ووراء الطاولتين يجلس عدلان ، ودعـاه أحدهمـا للجلوس، وألـح في ذلك كأنـه خاف أن يغير رأيـه، وبادره قبل أن يستقـر:
      - تريد أن تطلق يا ولـدي؟
فهـز رأسـه إيجابا ، وتأهب العـدل للكتابـة وقال :
     - تلزمنـا الأسمـاء وتاريخ  و مكان عقد القران ، السعر غير محدد. لسنـا موظفين مثلكم ، وهو متروك لأريحية الزبنـاء.
فكـر الشاب النحيـل في قولـه ، ولمعث في ذهنـه صورة حفـار القبور وتعجب ان يكون في مصائب الناس القوت اليومي لبعــض الناس . استحوذت عليه الفكرة حتى عاد العدل يقـول :
     - الأسمـاء و التاريخ والمكــان.
وذكرهـا له ، فتلقفــها منه ، وبدأ يكتب مباشرة ويقرأ ما كتبه كأنـه يملـي على نفسـه . وانتهـى ، فمد إليه الشاب النحيل ورقـة ماليــة من فئـة خمسين درهمـا وانصرف.
ليلى أبو زيد . عام الفيل ، مطبعة المعارف الجديدة – 1983 . ص ص 116-117

* بطاقة التعريف بالكاتبة :

مراحل من حياتها
أعمالها
- ولدت بالرباط سنة 1950
- درست اللغة الإنجليزية بجامعة محمد الخامس بالرباط وحصلت على الإجازة
- هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراستها
- عملت في الإذاعة الصحافة والتلفزيون كما عملت في عدة دواوين وزارية
- ترجمت أعمالها إلى عدة لغات
- عام الفيل (رواية)
- الفصل الأخير (رواية)
- الغريب (قصص)
- المدير (قصص)
- رجوع إلى الطفولة (سيرة ذاتية)

* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان :
- تركيبيا : يتكون العنوان من كلمتين تكونان فيما بينهما مركبا إضافيا من نوع الإضافة المعنوية التي تفيد التخصيص
- معجميا : يمكن تصنيف لفظتي العنوان ضمن حقل التوتر والحزن  أو الحالة النفسية ، وعليه فالعنوان لا ينتمي إلى المجال الاجتماعي إلا إذا اعتبرنا الغضب غضبا اجتماعيا أو مرتبطا بفرد من أفراد المجتمع.
- دلاليا : يتضمن عنوان النص مؤشرا زمنيا (لحظة) وآخر حاليا (غضب) يدل على حالة الغضب التي تسود هذه اللحظة . ويوحي العنوان بأن هذا الغضب لحظي فقط (غير مستمر) فهو خاص بلحظة زمنية محددة تتصف بمجموعة من الأوصاف التي يفترض أن تكون أسبابا أدت إلى حصول هذا الغضب.وهذا ما سنكتشفه عند قراءة النص
2- الصورة المرفقة :
        تمثل الصورة المرفقة بالنص لوحة فنية للفنان ماتيس بعنوان “حوار” وتظهر في اللوحة صورة لشخصين (زوج وزوجة) أحدهما جالس والآخر واقف  في إشارة واضحة إلى غياب الانسجام بينهما أو ربما إلى توتر العلاقة وغياب الحوار بينهما. وفي الواجهة الخلفية من الصورة نرى نافذة تشرف على حديقة ترمز إلى السكينة والطمأنينة المفتقدتين داخل المنزل ، وكأننا بهذا الفنان يعرض المشكل ومعه حله في اللوحة نفسها . وفي الجزء السفلي من النافذة شباك حديدي مصبوغ بلون أسود هو ذاته لون فستان الزوجة ، وفي ذلك إشارة إلى دلالتين :
- مكانة المرأة ودورها في الحفاظ على البيت تماما كما يحافظ الشباك على أمن المنزل
- تقييد المرأة في البيت وحصر عملها في الخذمة البيتية دون سواها
3- فقرات النص :
- ينسجم العنوان مع الفقرة الثانية من النص ( تصاعد غضبه بسرعة فائقة …)
- تهيمن الأفعال على الأسماء في الفقرة الأولى والأخيرة من النص مما يدل على أنه نص حكائي
4- نوعية النص :
نص سردي ذو بعد اجتماعي.

* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- سبة : عار
- زادت الطين بلة : زادت المشكل سوء وتعقيدا
2- الحدث الرئيسي :
توثر العلاقة بين الزوج وزوجته في لحظة من اللحظات كان سببا في طلاقهما.

 * تحليل النص :
1- أحدث النص بوصفه نصا حكائيا :
عمليات التحول

حالة البداية
الأحداث المحركة
العقدة
الحل
حالة النهاية
احتماء الأطفال بأمهم خوفا من الأب
- فشل الزوج
- تشهير الزوجة به بسبب عجزه عن تحسين ظروف المأكل والملبس
- إحساس الزوج بالإهانة والخزي.
غضب الزوج وتوتر العلاقة بينه وبين زوجته الذهاب إلى مكتب العدول تحرير وثيقة الطلاق
2- الألفاظ والعبارات الدالة على الحالة النفسية المتوترة بين الزوجين :
وقفت كالمهتمة – امتقعت وارتعدت – هددها تأديبا – أصابه تشهيرها بمعيشته بجرح في كرامته – تصاعد غضبه – مضطربا – صدره يعتمل بالغضب …
3- نوع الرؤية السردية :
الرؤية من الداخل :       السارد > الشخصية الرئيسية
لأن الساردة تعرف أكثر مما تعرفه الشخصيات وتتغلغل إلى دواخلها لتصف حالتها النفسية وما تفكر فيه.
4- إيقاع السرد :
إيقاع السرد في النص إيقاع سريع لأن الطلاق حدث بسرعة وفي مدة زمنية قصيرة هي لحظة غضب.

5- الشخصيات وأوصافها :
الشخصيات :
الأطفال
الأب
الأم
العدلان
أوصافها : خائفون غاضب / فاشل في نظر زوجته غاضبة / غير متفهمة في نظر زوجها انتهازيان

6- خصائص المكان في النص :
المكان :
البيت
مكتب العدول
خصائصه : مكان للمشاكل والتوتر والغضب وغياب الانسجام. مكان للانتهازية والعيش من مصائب الناس عوض إسداء النصيحة وحل المشاكل.
 * التركيب والتقويم :
- يشير النص إلى نوعين من الأسباب التي أدت إلى حدوث الطلاق بين الزوجين :
1- أسباب غير مباشرة : وتتجلى من جهة أولى في فشل الزوج وعجزه عن تحسين ظروف المأكل والملبس لأسرته ومن جهة ثانية في عدم تفهم الزوجة ، وتشهيرها بزوجها.
2- أسباب مباشرة : وتتمثل في لحظة الغضب وتوتر العلاقة بين الزوجين. وسهولة إجراءات الطلاق
- يحمل النص قيمة اجتماعية تتمثل في المشاكل الأسرية داخل المجتمع و ما ينتج عنها من نتائج على المستويين النفسي والاجتماعي مما يؤدي إلى حدوث الطلاق وتشتت الأسرة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نموذج من إنشاءات التلاميذ في مهارة كتابة اليوميات

نص الموضوع : اكتب يومية تتحدث فيها عن أفضل يوم أو أسوأ يوم مر معك خلال العطلة الصيفية الأخيرة مطبقا ما درسته في مهارة كتابة اليوميات. --------------------------------- نموذج من إنجاز التلميذة : سلمى أصياد  - الثالثة : 4 السبت الأول من شهر رمضان المبارك لسنة 1435هـ / 2014م في صباح هذا اليوم كانت الساعة العاشرة صبحا، استدعينا أنا وأمي لمؤسستي لاستلام جائزة تفوقي. كنت سعيدة جدا، عندما دخلنا المؤسسة قادنا الحارس العام إلى قاعة الأساتذة، وجدناها ممتلئة بالتلاميذ وأولياء أمورهم وأطر المؤسسة. بعد نصف ساعة نودي علي فاستلمت الجائزة والتقطت صورا للذكرى. رجعنا إلى المنزل وفي الطريق كنت أحدث نفسي بأن الله لا يضيع من عمل بصدق نية. في المساء في مساء ذلك اليوم كنا قد أعددنا فطورا جماعيا في الفرع الكشفي الذي أنتمي إليه. ذهبت على الساعة الرابعة للمساعدة في التحضيرات، كان عملا متعبا، وقلت في نفسي ياليتني لم أحضر حتى موعد الأذان ، فقد كنت متعبة جدا ولكن فرحة أيضا ، فقد تخلل التحضيرات نوبات من الضحك والمزاح. لكن لم يذهب تعبنا سدى، فقد فوجئ القادة بطريقة تزييننا للقاعة. قبيل الأذان بقليل اجتمعنا لسماع القر

مهارة كتابة سيرة ذاتية أوغيرية (التصحيح)

- الثانوية الإعدادية : …………………...     - الموسم الدراسي : 2011 / 2012 - مادة اللغة العربية                                   - مكون التعبير والإنشاء ( أنشطة الإنتاج ) - اسم التلميذ : - القسم : - الرقم الترتيبي : التخيل والإبداع : التدريب على مهارة كتابة سيرة ذاتية أو غيرية            نص الموضوع :            يقيم كل واحد منا عبر مراحل من حياته علاقة صداقة مع أصدقاء له يشاطرونه أفراحه وأتراحه ، ويشيعون في وجدانه الإحساس بدفء الروابط الإنسانية.            اكتب مرحلة من سيرتك الذاتية تسرد فيها طبيعة العلاقة التي ربطتك ببعض أصدقائك. نموذج مقترح :               من إنجاز التلميذة : وصال خراز                               الثالثة : 1        في صغري ، كل ما أتذكره أني كنت أصادق العديد من الصبيان ، إذ أنني لا أتفق مع البنات . كان لي عدة أصدقاء ، وجميعهم أولاد باستثناء واحدة كان اسمها “سكينة” .. كنا لا نفترق ، تجمعنا أواصر الأخوة والمحبة ، نسبح في بحر من الأحلام ، وجل كلامنا كان عن أحلامنا ومتمنياتنا للكبر..        كان كل ما نطلبه أن

نموذج لسيرة ذاتية حول المعاناة مع المرض

      نص الموضوع :     ألم بك في يوم من الأيام ، مرض عانيت منه لمدة ما. اسرد تجربة معاناتك مع هذا المرض وفق ما اكتسبته من خطوات كتابة سيرة ذاتية. --------------------------------------------------------------------------------        شاءت الأقدار في أحد الأيام أن ألم بي مرض قدر لي أن أعاني منه لفترة. لا أدري ما كان ذلك المرض، لكن ما أذكره أن الحمى مرفوقة بالسعال والزكام كانوا قد اتحدوا فأنهكوا قوى مناعتي ، وألزموني الفراش لأيام معدودات...        ظننت في البداية أنها مجرد نزلة برد ستحل علي ضيفا خفيفا ثم تمضي لحالها، لكن سرعان ما تجهز المرض فأحكم قبضته علي. وبذلك انطفأ نور النشاط والحيوية اللذين كانا يدبان في نفسي، وحل محلهما العياء والخمول، فكانت الساعات تمضي الواحدة تلو الأخرى فلا تجدني إلا في نفس الحال نائمة أو مستلقية على فراشي الذي كنت قليلا ما أفارقه.        لا زلت أذكر صورة علبة الدواء المكعبة الشكل التي تعددت ألوانها وحسن مظهرها، لكن ذلك لم يكن سوى خدعة توهم العين بلذة الطعم، فما إن يستقبله اللسان حتى ينفر من مذاقه الذي يبعث على الغثيان، كان تناوله بمثابة كابوس عذاب بالنسبة إلي..