في رحلته القاسية من الريف ، قضى الفرسيوي ستة أشهر وستة أيام ، مر فيها عبر مساحات شاسعة من الغابات والحقول والقرى ، نام في مساجد كثيرة ، وأكل من صدقات كثيرة ، وما أكثر المرات التي مال فبها إلى الإقامة في مكان ما أعجبته أشجاره أو استأنس بعجائزه وأطفاله ! ولكن ، ما كان يعزم على ذلك حتى يجد نفسه عاجزا عن التفكير في بناء بيت أو حرث أرض. كان ينظر إلى أبناء أخيه الذين يجلسون في الشواري يمضغون الكرموس الجاف ، يبكون ويتشاجرون ، ويضحكون كأنهم فراخ نسر في عشهم فيقرر الرحيل فورا. ربما كانت الإقامة في حد ذاتها تفزعه ، لأنها تعني التسليم بفقدان الأرض التي تركها هناك ، وهو لم يقصد بهجرته سوى التحايل على الوقت ، ريثما تنتهي سنوات الجدب ، وينسى ذلك الثأر الذي أكل جل أفراد عائلة الفرسيوي. بل إنه لم يفكر في شيء ولا قصد شيئا. اتجه الفرسيوي بتلك السلالة الصغيرة جنوبا باتجاه ما كانت تسميه قبائل الريف غربا ، عبر الجبال الوعرة والممرات الجرداء ، شهورا طويلة قاسية ، حتى طالعته قباب فاس وسطوحها البيضاء ومآذنها ، فتطلع الأطفال من عيني الشواري وجالوا بعيونهم الواسعة ، وسحنتهم ا...
مدونة اللغة العربية بالثانوي الإعدادي : تميز في عرض الدروس وشرحها