كانت زهرة أم آمنة وأختها هنادي امرأة بدوية ، تعيش مع زوجها الأعرابي وابنتيها في قرية من هذه القرى المعلقة بهذه الهضاب ، وإنها لفي ماهي فيه إذ جاءها النبأ بأن زوجها قد صرع ، فانقطعت سبل العيش عنها مع ابنتيها ، واندفعن في أرض
الريف يلتمسن حياتهن فيها ، بائسات شقيات ، ليس لهن من يعتمدن عليه ولا ركن يأوين إليه ، والخطوب تنتقل بهن من قرية إلى قرية ، ومن ضيعة إلى ضيعة حتى ينتهين إلى هذه المدينة الواسعة ذات السكان الكثسيرين.
هناك في طرف من أطراف هذه المدينة ، استقرت هذه المرأة مع الصبيتين. لجأت إلى شيخ البلدة فآواها يوما ثم قال لها : ما أكثر العمل هنا فالتمسي حياتك وحياة ابنتيك في بيوت هؤلاء المترفين التجار الذين يربحون الأموال الضخمة ، وعند هؤلاء الموظفين الذين يعملون في خدمة الحكومة حيث تشتد الحاجة إلى الخدم ، فالتمسي لنفسك بعض العمل في هذه البيوت.
وحكت آمنة قائلة :
استقرت كل واحدة منا في بيت تعمل فيه بالنهار ، وتنام فيه الليل ، ونلتقي آخر الأسبوع ، فنقضي ليلة سعيدة رضية في حجرتنا تلك القذرة الحقيرة ، فإذا كان الصباح تفرقنا إلى حيث نعمل في بيوت التجار والموظفين.
وكنت أحسن الثلاث حظا وأيمنهن طالعا ، فقد قدر لي أن أخدم في بيت مأمور المركز ، كلفت أن أصحب صبية من بنات المأمور كانت تقاربني في السن ، ولعلها كانت أكبر مني قليلا ، كنت أرافقها في اللعب على ألا ألعب معها ، وأرافقها حين يأتي المعلم ليلقي عليها الدرس قبل الغروب على ألا أتلقى الدرس معها ، ولكن ((خديجة)) كانت كانت حلوة النفس رقيقة الحاشية ، فلم يطل ما كان بينها وبيني من من البعد ، وإنما أشركتني في لعبها واختصتني بأحاديثها وآثرتني بأسرارها ، ولم تبخل علي حتى ببعض ماكانت تمنحها أمها من الحلوى ، وما هي إلا أن تزول بيننا الكلفة ونصبح رفيقتين صديقتين ، وإذا أنا أختلف مع الصبية إلى الكتاب ، فأتعلام كما تتعلم ، وأتلقى مع الصبية درس المعلم فأستفيد كما تستفيد.
بعد الأمد بيني وبين أمي وأختي ، وفي ذات يوم التقينا آخر النهار في حجرتنا تلك الحقيرة القذرة ، لم أر بشرا ولا ابتساما وإنما أحسست صمتا عميقا مريبا ، ورأيت وجهين كئيبين مظلمين ، ثم انقطع هذا الصمت فجأة بجملة واحدة. قالت أمنا : إذا كان الغد فسنرتحل عن المدينة . فوقعت في قلبي موقع الصاعقة.
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان :
- تركيبيا : عنوان النص عنوان مفرد لأنه يتكون من كلمة واحدة
- معجميا : ينتمي العنوان إلى المجال الاجتماعي
- دلاليا : يدل العنوان على اسم علم مؤنث “آمنة” ولعلها شخصية من شخصيات النص ، أو ربما هي الشخصية الرئيسية
2- بداية النص :
في بداية النص نلاحظ تكرار العنوان “آمنة” إلى جانب شخصيات أخرى “زهرة” و “هنادي” . وإذا أضفنا للشخصيات مؤشرين آخرين وردا في هذه البداية وهما : مؤشر المكان “القرية” ومؤشر الأفعال (كانت… – تعيش…) نكتشف أن النص يندرج ضمن النصوص السردية / الحكائية.
3- نهاية النص :
أول ما يلفت انتباهنا في نهاية النص هو تغير الضميرمن الغائب إلى المتكلم..مما يدل على أن هذه القصة رويت على لسان راويين اثنين. وبالنظر إلى عبارات من قبيل : ( لم أر بشرا ولا ابتساما - وجهين كئيبين… – الصاعقة …) نكتشف أن القصة لم تنته بعد ، وأن المشكل ما يزال مستمرا.
4- نوعية النص :
نص حكائي / سردي ذو بعد اجتماعي.
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- بائسات : فقيرات ، معوزات
- شقيات : تعيسات ، سيئات الحال والحظ ، غير سعيدات
- رقيقة الحاشية : لطيفة الصحبة
- الكلفة : الرسميات ، الشكليات ، ما يكون بين شخصين من حواجز نفسية تدفعهم إلى التكلف في التعامل
يقال : “إذا دامت الألفة زالت الكلفة”
مريبا : مشكوكا فيه ، مثيرا للشك
2- الحدث الرئيسي :
هجرة آمنة وأمها وأختها إلى المدينة بعد مصرع الأب ، ووصف ظروف عملهن هناك.
* تحليل النص :
1- أحداث النص :
2-الشخصيات وأوصافها :
3- الزمان والمكان :
* التركيب والتقويم :
انقطعت سبل العيش عن اسرة آمنة بعد مصرع الأب ، وتدهورت أحوالها المعيشية ، فاضطرت آمنة وأمها وأختها إلى الانتقال بين القرى والضيعات الفلاحية بحثا عن العمل ، ثم انتهى بهن الأمر إلى الهجرة نحو المدينة ليعملن في بيوت الموظفين والأغنياء من التجار ، وقد كان آمنة أكثرهن حظا بحكم عملها في بيت مأمور المركز ، والمعاملة الطيبة التي حظيت بها من طرف ابنة المامور. واستمرت الأيام على هذا الوضع ، وفجأة وبدون سابق إنذار ، قررت الأم الارتحال عن المدينة ، وكان هذا القرار صادما لآمنة.
* ولم يرد في النص ما يشير إلى السبب الذي دفع الأم إلى اتخاذ هذا القرار المفاجئ ، ولعل معاناتها في العمل هي وابنتها هنادي وعدم الارتياح في المدينة ، وسوء حظهما (عكس ىمنة التي كانت أحسن الثلاث حظا وأيمنهن طالعا) ، لعل كل ذلك كان سببا في اتتخاذ هذا القرار.
* الملاحظ أن الأم قالت : “سنرتحل” ولم تقل “سنرحل” وفي هذا إشارة إلى العقبة أوالعقبات التي كانت سببا في اتخاذ هذا القرار الاضطراري..فكأننا بالسارد جاء بحرف التاء في “سنرتحل” ليجسد به عقبة تعترض النطق اللفظي للكلمة ، ومن تم الإحالة ، عبر هذا اللفظ ، إلى العقبة التي واجهت أم آمنة بالمدينة.
* يحمل النص قيمة اجتماعية تتمثل في الفقر بوصفه مشكلا اجتماعيا تترتب عنه العديد من المشاكل الأخرى كالهجرة ، وتشغيل القاصرات.
الريف يلتمسن حياتهن فيها ، بائسات شقيات ، ليس لهن من يعتمدن عليه ولا ركن يأوين إليه ، والخطوب تنتقل بهن من قرية إلى قرية ، ومن ضيعة إلى ضيعة حتى ينتهين إلى هذه المدينة الواسعة ذات السكان الكثسيرين.
هناك في طرف من أطراف هذه المدينة ، استقرت هذه المرأة مع الصبيتين. لجأت إلى شيخ البلدة فآواها يوما ثم قال لها : ما أكثر العمل هنا فالتمسي حياتك وحياة ابنتيك في بيوت هؤلاء المترفين التجار الذين يربحون الأموال الضخمة ، وعند هؤلاء الموظفين الذين يعملون في خدمة الحكومة حيث تشتد الحاجة إلى الخدم ، فالتمسي لنفسك بعض العمل في هذه البيوت.
وحكت آمنة قائلة :
استقرت كل واحدة منا في بيت تعمل فيه بالنهار ، وتنام فيه الليل ، ونلتقي آخر الأسبوع ، فنقضي ليلة سعيدة رضية في حجرتنا تلك القذرة الحقيرة ، فإذا كان الصباح تفرقنا إلى حيث نعمل في بيوت التجار والموظفين.
وكنت أحسن الثلاث حظا وأيمنهن طالعا ، فقد قدر لي أن أخدم في بيت مأمور المركز ، كلفت أن أصحب صبية من بنات المأمور كانت تقاربني في السن ، ولعلها كانت أكبر مني قليلا ، كنت أرافقها في اللعب على ألا ألعب معها ، وأرافقها حين يأتي المعلم ليلقي عليها الدرس قبل الغروب على ألا أتلقى الدرس معها ، ولكن ((خديجة)) كانت كانت حلوة النفس رقيقة الحاشية ، فلم يطل ما كان بينها وبيني من من البعد ، وإنما أشركتني في لعبها واختصتني بأحاديثها وآثرتني بأسرارها ، ولم تبخل علي حتى ببعض ماكانت تمنحها أمها من الحلوى ، وما هي إلا أن تزول بيننا الكلفة ونصبح رفيقتين صديقتين ، وإذا أنا أختلف مع الصبية إلى الكتاب ، فأتعلام كما تتعلم ، وأتلقى مع الصبية درس المعلم فأستفيد كما تستفيد.
بعد الأمد بيني وبين أمي وأختي ، وفي ذات يوم التقينا آخر النهار في حجرتنا تلك الحقيرة القذرة ، لم أر بشرا ولا ابتساما وإنما أحسست صمتا عميقا مريبا ، ورأيت وجهين كئيبين مظلمين ، ثم انقطع هذا الصمت فجأة بجملة واحدة. قالت أمنا : إذا كان الغد فسنرتحل عن المدينة . فوقعت في قلبي موقع الصاعقة.
طه حسين . دعاء الكروان . ص : 14 . دار المعارف / ط : 23 القاهرة
مراحل من حياته : | أعماله : |
- ولد في الرابع عشر من نوفمبر سنة 1889 بمصر - ضاع بصره في السادسة من عمره بعد إصابته بالرمد - حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز سنته العاشرة - غادر القاهرة متوجها للأزهر طلبا للعلم - التحق بالجامعة المصرية سنة 1908 وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي سنة 1914 - سافر إلى باريس ملتحق بجامعة مونبلييه ، وحصل منها على دوكتوراه في علم الاجتماع سنة 1919 - عمل استاذا لتاريخ الأدب العربي وأستاذا للتاريخ اليوناني والروماني. - عين وزيرا للمعارف سنة 1950 - يعد طه حسين واحدا من أهم المفكرين العرب في القرن العشرين - توفي في 29 أكتوبر 1973 | * من مؤلفاته : - في االأدب الجاهلي - الأيام - دعاء الكروان - شجرة السعادة - المعذبون في الأرض - على هامش السيرة - حديث الأربعاء - شجرة البؤس - من حديث الشعر والنثر - الوعد الحق - مع أبي العلاء في سجنه - في تجديد ذكرى أبي العلاء |
* ملاحظة النص واستكشافه :
1- العنوان :
- تركيبيا : عنوان النص عنوان مفرد لأنه يتكون من كلمة واحدة
- معجميا : ينتمي العنوان إلى المجال الاجتماعي
- دلاليا : يدل العنوان على اسم علم مؤنث “آمنة” ولعلها شخصية من شخصيات النص ، أو ربما هي الشخصية الرئيسية
2- بداية النص :
في بداية النص نلاحظ تكرار العنوان “آمنة” إلى جانب شخصيات أخرى “زهرة” و “هنادي” . وإذا أضفنا للشخصيات مؤشرين آخرين وردا في هذه البداية وهما : مؤشر المكان “القرية” ومؤشر الأفعال (كانت… – تعيش…) نكتشف أن النص يندرج ضمن النصوص السردية / الحكائية.
3- نهاية النص :
أول ما يلفت انتباهنا في نهاية النص هو تغير الضميرمن الغائب إلى المتكلم..مما يدل على أن هذه القصة رويت على لسان راويين اثنين. وبالنظر إلى عبارات من قبيل : ( لم أر بشرا ولا ابتساما - وجهين كئيبين… – الصاعقة …) نكتشف أن القصة لم تنته بعد ، وأن المشكل ما يزال مستمرا.
4- نوعية النص :
نص حكائي / سردي ذو بعد اجتماعي.
* فهم النص :
1- الإيضاح اللغوي :
- بائسات : فقيرات ، معوزات
- شقيات : تعيسات ، سيئات الحال والحظ ، غير سعيدات
- رقيقة الحاشية : لطيفة الصحبة
- الكلفة : الرسميات ، الشكليات ، ما يكون بين شخصين من حواجز نفسية تدفعهم إلى التكلف في التعامل
يقال : “إذا دامت الألفة زالت الكلفة”
مريبا : مشكوكا فيه ، مثيرا للشك
2- الحدث الرئيسي :
هجرة آمنة وأمها وأختها إلى المدينة بعد مصرع الأب ، ووصف ظروف عملهن هناك.
* تحليل النص :
1- أحداث النص :
****************** | حالة البداية | الحدث المحرك | العقدة | الحل | حالة النهاية |
القصة الأولى : (رواها الكاتب) | وصف أسرة آمنة والقرية التي تقطن بها | وصول خبر مصرع الأب إلى الأسرة | انقطاع سبل العيش (المعاناة والفقر) | الهجرة إلى المدينة | البحث عن العمل |
القصة الثانية : (روتها آمنة) | وصف استقرار الأسرة وعملها بالمدينة | ø | ø | ø | قرار الأمة الارتحال عن المدينة ، وانصدام آمنة بهذا القرار |
الشخصيات : | الأوصاف الاجتماعية : | الأوصاف النفسية : |
آمنة | - ابنة زهرة – أخت هنادي | - بائسة في القرية – محظوظة في المدينة |
زهرة | - أم آمنة – امرأة بدوية | - بائسة شقية – غير محظوظة في المدينة |
خديجة | - ابنة مأمور المركز | - حلوة النفس رقيقة الحاشية |
الزمان : | الماضي | الحاضر | المستقبل |
المكان : | القرية | المدينة | القرية |
* التركيب والتقويم :
انقطعت سبل العيش عن اسرة آمنة بعد مصرع الأب ، وتدهورت أحوالها المعيشية ، فاضطرت آمنة وأمها وأختها إلى الانتقال بين القرى والضيعات الفلاحية بحثا عن العمل ، ثم انتهى بهن الأمر إلى الهجرة نحو المدينة ليعملن في بيوت الموظفين والأغنياء من التجار ، وقد كان آمنة أكثرهن حظا بحكم عملها في بيت مأمور المركز ، والمعاملة الطيبة التي حظيت بها من طرف ابنة المامور. واستمرت الأيام على هذا الوضع ، وفجأة وبدون سابق إنذار ، قررت الأم الارتحال عن المدينة ، وكان هذا القرار صادما لآمنة.
* ولم يرد في النص ما يشير إلى السبب الذي دفع الأم إلى اتخاذ هذا القرار المفاجئ ، ولعل معاناتها في العمل هي وابنتها هنادي وعدم الارتياح في المدينة ، وسوء حظهما (عكس ىمنة التي كانت أحسن الثلاث حظا وأيمنهن طالعا) ، لعل كل ذلك كان سببا في اتتخاذ هذا القرار.
* الملاحظ أن الأم قالت : “سنرتحل” ولم تقل “سنرحل” وفي هذا إشارة إلى العقبة أوالعقبات التي كانت سببا في اتخاذ هذا القرار الاضطراري..فكأننا بالسارد جاء بحرف التاء في “سنرتحل” ليجسد به عقبة تعترض النطق اللفظي للكلمة ، ومن تم الإحالة ، عبر هذا اللفظ ، إلى العقبة التي واجهت أم آمنة بالمدينة.
* يحمل النص قيمة اجتماعية تتمثل في الفقر بوصفه مشكلا اجتماعيا تترتب عنه العديد من المشاكل الأخرى كالهجرة ، وتشغيل القاصرات.
تعليقات
إرسال تعليق